في بداية القرن الرابع قبل الميلاد، لم تكن الإسكندرية سوى قرية صغيرة
تدعى "راكتوس" أو "راقودة" يحيط بها قرى صغيرة، يقول عنها علماء الآثار
أنها ربما كانت تعتبر موقعًا إستراتيجيًا لطرد الأقوام التي قد تهجم من حين
إلى آخر من الناحية الغربية
لوادي النيل،
[9] أو لربما كانت "راكتوس" مجرد قرية صغيرة تعتمد على الصيد ليس إلا، وعلى
امتداد الساحل الرئيسي للقرية توجد جزيرة تسمى "فاروس" يوجد بها ميناء يخدم
الجزيرة والقرى الساحلية معًا. في ذلك الوقت كانت مصر تحت الاحتلال
الفارسي منذ سقوط حكم
الفراعنة والأسرة الثلاثون عام 343 ق.م، ولم تكن مصر الوحيدة الواقعة تحت احتلال الفرس، فقد كانت
بلاد الشام والعراق واقعة تحت هذا الاحتلال، وفي مقابل قوة الفرس كانت قوة
الاغريق في ازدياد سريع، وبدأت المواجهة بينهما في ربيع عام 334 ق.م، واستمرت المعارك بينهما حتى دخل الإسكندر الأكبر مدينة
صور ومن ثم إلى
غزة حتى أتم دخول مصر عام 333 ق.م.
[9]منحوتة مصرية من المرمر لرأس
الإسكندر الأكبر، مؤسس الإسكندرية.
بعد دخول الإسكندر الأكبر مصر وطرده للفرس منها، استقبله
المصريون بالترحاب نظرًا للقسوة التي كانوا يُعاملون بها تحت الاحتلال الفارسي،
[10] ولكي يؤكد الإسكندر الأكبر أنه جاء إلى مصر صديقًا وحليفًا وليس غازيًا مستعمرًا، اتجه لزيارة معبد الإله
آمون إله مصر الأعظم في ذلك الوقت، فذهب إلى المعبد في واحة
سيوة، وأجرى له الكهنة طقوس التبني ليصبح الإسكندر الأكبر ابنًا للإله آمون، ولُقب فيما بعد بابن آمون،
[10] وفي طريقه إلى المعبد مرّ بقرية للصيادين كانت تُسمى "راقودة"، فأعجب بالمكان وقرر أن يبني مدينة تحمل اسمه لتكون نقطة وصل بين مصر
واليونان وهي مدينة الإسكندرية (
باليونانية القديمة:
Ἀλεξάνδρεια ἡ κατ' Αἴγυπτον؛
وباليونانية الحديثة:
Αλεξάνδρεια)،
وعهد ببنائها إلى المهندس "دينوقراطيس"، والذي شيدها على نمط المدن
اليونانية، ونسقها بحيث تتعامد الشوارع الأفقية على الشوارع الرأسية،
[10] وبعد عدة شهور ترك الإسكندر مصر متجهًا نحو الشرق ليكمل باقي فتوحاته،
ففتح بلاد فارس، لكن طموحاته لم تتوقف عند هذا الحد بل سار بجيشه حتى وصل
إلى
الهند ووسط آسيا، وبينما كان الإسكندر هناك فاجأه المرض الذي لم يدم طويلاً حيث داهمه الموت بعد عشرة أيام وهو لم يتجاوز الإثنين والثلاثين من عمره.
[10]رسم رقمي ثلاثي الأبعاد لمنارة الإسكندرية القديمة المشيدة في عهد البطالمة.
رسم لداخل مكتبة الإسكندرية.
المسرح الروماني، أبرز المعالم الرومانية الباقية في الإسكندرية.
اتسمت الإسكندرية في مطلعها بالصبغة العسكرية كمدينة للجند الإغريق، ثم تحولت أيام
البطالمة الإغريق إلى مدينة ملكية بحدائقها وأعمدتها الرخامية البيضاء وشوارعها المتسعة،
[11] وتحوّلت في ذلك الحين إلى عاصمة لمصر، وأصبحت إحدى حواضر العلوم والفنون
بعد أن شاد فيها البطالمة عددًا من المعالم الكبرى من شاكلة
مكتبتها الضخمة التي تعد أول معهد أبحاث حقيقي في التاريخ، و
منارتها التي أصبحت أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وكانت تطل على البحر
وجنوب شرقي الميناء الشرقي الذي كان يطلق عليه الميناء الكبير؛ إذا ما
قورن بينه وبين ميناء هيراكليون عند
أبو قير على فم أحد روافد
النيل القديمة التي اندثرت، وحالياً انحسر مصب النيل ليصبح علي بعد 20 كيلومتراً من أبوقير عند
رشيد.
[11]خضعت المدينة اسميًا لل
رومان سنة 80 ق.م، وفقًا لرغبة
بطليموس العاشر، واستمر الأمر على هذا المنوال قرابة قرن من الزمن قبل أن تسقط بيد
يوليوس قيصر سنة 47 ق.م، عندما استغلت روما النزاع والحرب الأهلية القائمة بين
بطليموس الثالث عشر ومستشاريه وشقيقته
كليوبترا السابعة،
وبعد عدة معارك انتصر قيصر وتم قتل أخيها، وبذلك استطاعت كليوباترا
الانفراد بحكم مصر، وعلى أحد آراء بعض المؤرخين فقد تم حرق مكتبة
الإسكندرية الشهيرة في ذلك الوقت في صراع يوليوس قيصر مع بطليموس الثالث
عشر.
[12] سقطت المدينة بيد القائد "أوكتافيوس" الذي أصبح لاحقًا الإمبراطور "
أغسطس" في
1 أغسطس سنة 30 ق.م، وبهذا أصبحت مصر ولاية رومانية. ظلت الإسكندرية أكبر مدينة في
الإمبراطورية الرومانية الواسعة بعد
روما العاصمة، وأقدم الرومان على عمل العديد من الإصلاحات فيها، فقاموا بتجديد وإعادة حفر القناة القديمة التي كانت تربط
نهر النيل و
البحر الأحمر لخدمة التجارة، وكذلك فقد أعطى
الرومان لل
يهود في الإسكندرية، والذين كانوا يمثلون جزءا أساسيا من التركيبة السكانية للمدينة، حريات كثيرة وسمح لهم بإدارة شئونهم الخاصة.
[12] غير أن كل ذلك لم يوقف حركات التمرد والتوتر في المدينة والتي وصف أحد
الكتاب القدماء أهلها بأنهم "الأكثر رغبة في الثورة والقتال من أي قوم
آخر"، فمن تمرد اليهود في عام
116م،
والتوتر المتواصل بين اليهود واليونان على مسائل قديمة، فضلاً عن احتجاج
السكندريون بصفة عامة على الحكم الروماني، والذي أدى في عام
215م وعلى إثر زيارة الإمبراطور الروماني إلى الإسكندرية إلى قتل ما يزيد عن عشرين ألف سكندري بسبب قصيدة
هجاء قيلت في الرجل. غير أن من أهم أسباب الاضطراب هو أن العالم قد شهد أحد أهم الأحداث في التاريخ وهو ميلاد
الديانة المسيحية، والتي تزامنت مع بداية الحكم الروماني في مصر، وحيث أن الديانة الجديدة بدأت تجذب الكثير من المصريين وتدعوهم إلى نبذ
الوثنية وعبادة
الله، فقد بدأ عصر جديد من الاضطهاد حيث كانت روما تريد فرض عبادة الإمبراطور وكذلك العبادات الوثنية على المصريين.
[12] ضربت موجة
تسونامي هائلة المدينة بتاريخ
21 يوليو سنة
365،
[13] جرّاء
زلزال وقع بالقرب من جزيرة كريت، ونجم عنها خراب ودمار كبيرين.
[14]اكتسبت
المسيحية قوة كبيرة رغم كل النزاعات وذلك في مواجهة ديانة باقي المصريين من الوثنيين وخاصة في عهد الإمبراطور
ثيودوسيوس الكبير (378-395م) الذي أصدر مرسوماً ببطلان العبادات الوثنية، فعقد بطريرك
الإسكندرية ثيوفيلوس (385-412م) عزمه على تنفيذ المرسوم الإمبراطوري بدقة
وحزم وقد عاونه اتباعه وقوات الإمبراطور، فتم تدمير عدد من المعابد الوثنية
وتحويل بعضها الآخر إلى كنائس مثل معبد سرابيوم المقام للإله سيرابيس وذلك
في عام
391م حيث شيدت على أطلاله كنيستان.