خضعت الإسكندرية للإمبراطورية البيزنطية بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين: غربي روماني وشرقي رومي بيزنطي، وفي
القرن السابع الميلادي كانت
الإمبراطورية البيزنطية قد وصلت إلى حالة بالغة من الضعف، فشجع ذلك
الإمبراطورية الفارسية الساسانية في الشرق على الهجوم على ممالكها واحتلال الشام ومصر، فدخل الفرس
الإسكندرية ونهبوا المدينة وقتلوا الكثير من أهلها، لكن الحكم الفارسي لم
يدم إلا بضع سنين حيث استطاع الإمبراطور هرقل استرداد ممالكه ورجعت
الإسكندرية من جديد تابعة للإمبراطورية البيزنطية. وقد أراد
هرقل تعيين بطريرك قوي في الإسكندرية يسند له الرئاسة السياسية بجانب سلطته
الدينية ليكون قادر على قهر الأقباط وإرغامهم على اتباع مذهب المونوثيليتية
فعين بطريركًا رومانيًا يدعى "
كيرس" والمعروف عند مؤرخي العرب باسم "المقوقس"، لتحقيق هذه الغاية، إلا أنه فشل في ذلك. وخلال هذا العهد كان
الإسلام قد برز في شبه الجزيرة العربية واستقطب أعدادًا كبيرة من الناس، وكان النبي
محمد قد أرسل إلى حكام الدول المجاورة رسائل يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكان المقوقس من ضمن هؤلاء الحكام.
الروم يستخدمون النار الإغريقية في
معركة ذات الصواري التي خضعت الإسكندرية بعدها للحكم الإسلامي العربي.
بعد وفاة محمد، خرج العرب المسلمون من شبه الجزيرة العربية لنشر الإسلام في أنحاء العالم المعروف، فانطلق
عمرو بن العاص من
القدس إلى
مصر، بعد أن شاور الخليفة
عمر بن الخطاب،
[15] سالكًا الطريق التي سلكها قبله
قمبيز و
الإسكندر الأكبر. واصطدمت القوة العربية بالروم في مدينة الفرماء، مدخل مصر الشرقية، فسقطت المدينة بيد عمرو، ثم تبعتها
بلبيس. وكان
المقوقس، عامل الروم على مصر، قد تحصن بحصن إزاء
جزيرة الروضة على
النيل، ورابط عمرو في
عين شمس.
[16] ولما وصلت الإمدادات من الخليفة عمر، تقاتل الفريقان في منتصف الطريق بين المعسكرين،
[17] فانهزم المقوقس واحتمى بالحصن، ولمّا ضيّق عمرو عليه الحصار اضطر إلى القبول بدفع الجزية.
[18] وتابع عمرو استيلائه على المدن المصرية، ولم يبق إلا الإسكندرية قصبة الديار المصرية وثانية حواجز
الإمبراطورية البيزنطية. وكان الاسطول البيزنطي يحميها من البحر، ولكن شدّة الغارات البريّة العربية، وموت هرقل وارتقاء ابنه
قسطنطين الثاني عرش الإمبراطورية وكان حديث السن، جعلت الروم يوافقون على شروط الصلح،
فجلت قواتهم وأسطولهم عن المدينة ودخلها المسلمين فاتحين، وأطلقوا الحرية
الدينية لل
أقباط وأمّنوهم على ممتلكاتهم وأرواحهم.
[19]ولكن بعد مدة قصيرة من السيطرة على المدينة قام البيزنطيين بهجوم مضاد
ليستعيدوا المدينة من جديد إلا أن عمرو بن العاص استطاع هزيمتهم ودخل
الإسكندرية مرة أخرى في صيف سنة 646،
[20] ورحب الأقباط في الإسكندرية بقيادة البطريرك
بنيامين الأول بالمسلمين ترحيباً بالغاً وبذلك فقدت الإمبراطورية البيزنطية أغنى ولاياتها إلى الأبد.
[21] فقدت الإسكندرية مكانتها السياسية بعد ذلك بسبب اتخاذ عمرو بن العاص من
الفسطاط عاصمة له بدلاً منها، لكنها استمرت الميناء الرئيسي لمصر وأبرز مرافئها التجارية. نشطت حركة التجارة في الإسكندرية خلال
العهد الإسلامي، كذلك تم بناء سور جديد للمدينة، ووفد إليها الكثير من العلماء من أمثال
الإمام الشاطبي والحافظ السلفي و
ابن خلدون وغيرهم الذين أثروا الحركة العلمية للمدينة.
[22] ومن المعالم التي تركتها المرحلة الأولى للفتح ضريح وجامع
أبي الدرداء، أحد
صحابة النبي محمد، في منطقة العطارين والذي شارك في
فتح مصر.
قلعة قيتباي. شادها السلطان المملوكي "
الأشرف سيف الدين قايتباي" في نفس الموقع حيث كانت تقوم منارة الإسكندرية.
تعرضت المدينة لعدة
زلازل قوية عام
956 ثم
1303 ثم
1323، أدت إلى تحطم
منارتها الشهيرة ولم يبق منها سوى الأساس الحجري الذي شيدت عليه
قلعة قايتباي في منتصف
القرن الخامس عشر الميلادي.
[23] كما تعرضت الإسكندرية لهجمات صليبية كان أخرها في أكتوبر سنة
1365م عانت فيها من أعمال قتل دون تمييز بين
مسلم و
مسيحي ونهب وضربت
المساجد،
[24] إلا أنه وفي عام
1480 قام السلطان المملوكي
قايتباي ببناء حصن للمدينة لحمايتها في نفس موقع المنارة والمعروفة الآن "ب
قلعة قايتباي"،
[25] حيث حظيت الإسكندرية في عهده بعناية كبيرة، وقد هيأت
دولة المماليك وسائل الراحة لإقامة التجار الأوروبيين في مينائي الإسكندرية و
دمياط فبنيت
الفنادق ووضعت تحت تصرف التجار حتى يعيشوا وفق النمط الذي اعتادوه في بلادهم. فقدت الإسكندرية الكثير من أهميتها بعد اكتشاف طريق
رأس الرجاء الصالح في عام
1498م وتحوّل طريق التجارة إلى
المحيط الأطلسي بدلاً من
البحر الأبيض المتوسط،
[26] وكذلك بعد جفاف فرع
النيل والقناة التي كانت تمد المدينة بالمياه العذبة.