على إن اليهود لم يحافظوا على المزايا التي تمتعوا بها طوال العهد
الروماني بمصر، وذلك لثوراتهم المتعددة على امتداد القرنين الأول والثاني
للميلاد. وكانت أكبر ثوراتهم في عهد الإمبراطور
ترجان عام
115 للميلاد واستمرت لفترة وجيزة من عهد الإمبراطور
هدريان، فبالرغم من أنها أخمدت
بسرعة في الأسكندرية إلا إنها ظلت مشتعلة لثلاث أعوام في
صعيد مصر من نهاية الدلتا إلى إقليم طيبة بصعيد مصر،
وظل صعيد مصر ميدانًا لحرب عصابات خلال تلك الأعوام الثلاثة. وقد ظل
المصريين في بعض مناطق
مصر الوسطى، يتذكرون أحداث تلك الثورة رغم مرور
مائة عام على اشتعالها. وظل المصريين في تلك المناطق يذكرون الرومان
بصدقاتهم عندما حاربوا معهم جنبًا إلى جنب ضد اليهود، وظلت ذكرى إخماد تلك
الثورة احتفالاً للمصريين بالرغم من مرور مائة عام على حدوثها، فقد كانت
ثورة مدمرة دمرت فيها طرق وأحرقت فيها بيوت وخربت فيها ممتلكات.
كانت نتيجة ثورات اليهود، أن قلص الرومان امتيازتهم، ففي عام 70
للميلاد، وبالرغم من عدم اشتراك يهود مصر في الثورة التي حدثت في فلسطين،
فإن السلطات الرومانية أغلقت معبد اليهود بمنف، كما ألزم اليهود بدفع ضريبة
قيمتها درخمتان عن كل ذكر بالغ، والتي كانوا يقدمونها من قبل للمعبد
الرئيسي ببيت المقدس، وذلك لبناء معبد للإله الروماني
جوبيتر الذي أحرق اليهود معبده في
ثورتهم تلك ببيت المقدس. وقد استمر الرومان في جباية تلك الضريبة حتى بعد
انتهاء بناء المعبد وذلك حتى القرن الثاني للميلاد.
على إن الرومان لم يحاولوا رغم ذلك أن يرغموا اليهود بمصر على التحول عن
عاداتهم، فأبقي لهم حق العيش حسب معتقداتهم وعادتهم، وسمح لهم بختان
مواليدهم، وهو الأمر الذي حرم منه المصريين فيما عدا الذين يسلكون سلك
الكهنوت